على إننا نعتب على جماعات كثيرة تنتسب للسنة وتظهر التمسك بها، إذ أن مسلكها قد يكون من وراء انصراف بعض الناس عن السنن وشكهم في جدواها ونأخذ على هذه الجماعات أمرين:
أولهما
أنها تخلط الصحيح بالسقيم، ولا تدري بدقة ما يقبل ويرد من المرويات.
وقد لاحظت عند تحديد الوضع الاجتماعي للمرأة أنها ما يجئ حديثان في قضية تتصل بها إلا أخر الصحيح وقدم الضعيف.
فزيارة المرأة للقبور ترويها أحاديث صحيحة، ولكن بعض أهل العلم يقدمون عليها حديثا ضعيفاً يلعن زائرات القبور.
ورؤية المرأة للرجال مع غض البصر ترويها أحاديث صحيحة، ولكن بعض أهل العلم يطوون ما صح وينشرون آثاراً واهية أن المرأة لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.
وقد وضعت تفاسير وذكرت مرويات لتقرير أن وجه المرأة عورة وأن الإسفار عنه جريمة، وليس وراء هذا الزعم سنة صحيحة ولا فقه قائم.
ولعل هذا القصور العلمي وراء الانهيار الاجتماعي أمام زحف المدنية الحديثة: خذ مثلا هذه القضية الاجتماعية الحساسة، قضية المهور، فإن الأحاديث الصحيحة وردت برفض المغالاة فيها، ورى مسلم عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي: على كم تزوجتها؟ فقال: على أربع أوراق من فضة، فقال له النبي: على أربع أوراق، كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل)، وظاهر من تعليق الرسول أنه استكثر المهر.
والأصل في المهور التيسير وسنتة صلى الله عليه وسلم في نسائه وبناته التيسير، والأحاديث في ذلك كثيرة.
ولعل هذه الأحاديث الكثيرة طويت طياً وانهزمت أمام رواية أن امرأة جادلت عمر بن الخطاب في زيادة المهور وهزمته مستشهدة بقوله تعالى (وأتيتم إحداهن قنطارا)
وهذه الرواية لم تأت بسند صحيح، بل في رجالها انقطاع وضعف، ولو تجاوزنا عن ذلك وما يجوز تجاوزه فإن موضوع الآية ومعناها ليس محل الاستشهاد، إذ الآية في شخص يريد تبديل زوجة بأخرى ويريد أن يسترد من الزوجة المتروكة ما أعطاه إياها مهرا فرفض القرآن هذا المسلك الصغير، وبين أنه ما يجوز أخذ شيء من المرأة المهجورة ولو أمهرها قنطاراً.
والعبارة تفيد المبالغة، ولو لم تفدها فالأمر يتصل بقضية أخرى غير إنشاء البيوت، وإعفاف الرجال والنساء، وإغلاق أبواب الحرام، وتفتيح أبواب الحلال، وحماية الأمة من التسول الجنسي ومقاذر الانحراف.
وقد لاحظت أن هناك أحاديث ضعيفة تحكم المجتمعات الإسلامية وتهزم الاحاديث الصحية بل المتواترة، خذ مثلاً رفض صلاة النساء في المساجد، فقد فهم من أحاديث لم يروها رجال الصحيح ومع ذلك فقد أقر الرفض عمليا، وطويت الاحاديث المتواترة والصحيحة في هذه القضية المتصلة بأهم عبادات الإسلام، والتصرف في السنة بهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون ديناً قوياً ولا صراطاً مستقياً.
أم الأمر الثاني الذي يؤخذ على المشتغلين بالسنن عموما فهو قصورهم الفقهي وليست لقد قدم راسخة في فقه الكتاب الكريم، مع أنه الأصل كما أنهم يأخذون الاحاديث مقطوعة عن ملابساتها، ولا يضمون إليها ما ورد في موضوعها من مرويات أخرى قد تؤيدها وقد تزدها.
خذ هذين المثلين مما عرض لي في القاهرة وأنا مهموم بقضايا الدعوة:
أولا
وقف خطيب يدعي السلفية ويروي للناس أن والد الرسول في النار، وكان ذلك لمناسبة احتفال المسلمين بالمولد النبوي وقلت للناس: هذا الحديث يخالف قوله تعالى: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
وقد ثبت أن جيل الرسول الكريم وصحابته كلهم لم يبعث أحد إلى آبائهم: (لتنذر قوما ما أنذر أباهؤهم فهم غافلون)
(لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يعتدون)
ومعنى هذا أن عبدالله وأمثاله لا يعذبون، ولا يدخلون النار، ويكفي هذا الخلاف لنقض الحديث فهو علة تقدح في صحته.
وعلماء المصطلح يردون المتن إذا خالف ما هو أصح وأوثق.
وليس بعد حكم القرآن الكريم حكم، ولعل الراوي فهم أن تعذيب المشركين جميعا هو الاساس وأن استثناء أهل الفترة رحمة فوق العدل، فساق الحديث لتوكيد المعنى الأول..
وعلى أية حال فإن زاوية هذا الحديث في خطبة جامعة وفي مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي جلافة وجهالة غليظتان.
ثاينا
قال خطيب آخر يدعي التصوف أن الله ليلة المعراج نزل لمحمد وأوحى إليه.
وقلت للناس ما روى في ذلك كان رؤيا منام، ومع ذلك فقد رفضه الحفاظ وردوه رداً شديداً وعدوه من العثرات القليلة التي آخذت على راويه.
وقد لاحظت أن المطابع وضعت في أيدي الجماهير نسخا كثيرة من الموطأ ومن الصحيحين، وكثيرا ما يقرأ العامة أحاديث فوق مستواهم، والحديث إن لم يقدمه عالم فقيه أو إذا لم يصحب بشرح تلقى ضوءاً كاشفاً على معناه، ربما كان مثار فتنة ولغط وكم من انصاف متعلمين أساءوا إلى السنة بضعف الفقه وقصور البصر..
والخلاصة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة الله تبارك وتعالى:
(وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)
(من يطع الرسول فقد أطاع الله)
حقائق محترمة:
وأن من زعم أن الرسول يجوز عصيانه فيما أمر به ونهى عنه، فهو كافر باتفاق المسلمين، وقد بذلت جهود لم تبذل مثلها في الوقوف عل تراث بشر كي يعرف ماذا قال الرسول حقا .. وانتهت هذه الجهود بجملة حقائق محترمة.
1- أن في السنة ما هو متواتر لفظا أو معنى، وهذا النوع من السنن يشبه القرآن الكريم فيما أتى به من أحكام، ولا يمكن رده، وهو كثير في التراث النبوي وعليه تقوم الكثرة الكاثرة من الأحكام المقررة، وليس بصحيح أن المتواتر في السنة ضيق النطاق، ربما كان ذلك فيما تواتر لفظه، أما ما تواتر معناه فهو أساس مقررات فقهية كثيرة.
والواقع أن اخبار الآحاد من الناحية العملية لا تشكل مساحة كبيرة من السلوك الإسلامي المهم، فإن ما لا بد منه تكلفت به نصوص ثابته بيقين..
2- جمهور الأمة يقبل سنن الآحاد ويعدها دليلاً على الحكم الشرعي الذي نتعبد الله بإقامته، ومن الناس من عد هذه السنين مفيدة لليقين الذي يفيده التواتر ما دامت صحيحة ولكن جمهور العلماء يقبل سنن الآحاد في الأحكام العملية والفروع الفقهية، ولا ينقلها إلى ميدان العقيدة الذي يقوم الأمر فيه على القطع، ومعنى ذلك أن سنن الآحاد تفيد الظن العلمي وحسب..
3- مع اتفاق الفقهاء على أن سنن الآحاد قرينة مقبولة في إفادة الحكم الشرعي فإن عددا من الأئمة يتجاوز هذه السنن إذا كانت هناك قريبة منها في إفادة حكم الله.
فمالك مثلا يرى عمل أهل المدينة أدل على السنة النبوية من حديث الآحاد مهما كانت صحته، والأحناف يرون أن حديث الآحاد لا ينهض عل إثبات الفرضية وحده، ولا ينهض كذلك على إثبات الحرمة، ولكنه يثبت أحكاما أقل رتبة، وغالى بعضهم فجعل القياس القطعي أرجح من سنن الآحاد.
ودراسة السنة علم له رجاله الخبراء، ولا يقبل في هذا الميدان ما يرسله الفقهاء من أحكام طائشة تجعل التطويح بالسنة الشريفة أمرا جائزا أو تجعل تكذيب حديث ما هوى مطاعا.
إنه لا فقه بغير سنة ولا سنة بغير فقه، وقوام الإسلام بركنيه كليهما من كتاب وسنة وفي ذلك يقول الأستاذ الإمام حسن البنا:
القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة إلى رجال الحديث الثقات.
أولهما
أنها تخلط الصحيح بالسقيم، ولا تدري بدقة ما يقبل ويرد من المرويات.
وقد لاحظت عند تحديد الوضع الاجتماعي للمرأة أنها ما يجئ حديثان في قضية تتصل بها إلا أخر الصحيح وقدم الضعيف.
فزيارة المرأة للقبور ترويها أحاديث صحيحة، ولكن بعض أهل العلم يقدمون عليها حديثا ضعيفاً يلعن زائرات القبور.
ورؤية المرأة للرجال مع غض البصر ترويها أحاديث صحيحة، ولكن بعض أهل العلم يطوون ما صح وينشرون آثاراً واهية أن المرأة لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.
وقد وضعت تفاسير وذكرت مرويات لتقرير أن وجه المرأة عورة وأن الإسفار عنه جريمة، وليس وراء هذا الزعم سنة صحيحة ولا فقه قائم.
ولعل هذا القصور العلمي وراء الانهيار الاجتماعي أمام زحف المدنية الحديثة: خذ مثلا هذه القضية الاجتماعية الحساسة، قضية المهور، فإن الأحاديث الصحيحة وردت برفض المغالاة فيها، ورى مسلم عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي: على كم تزوجتها؟ فقال: على أربع أوراق من فضة، فقال له النبي: على أربع أوراق، كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل)، وظاهر من تعليق الرسول أنه استكثر المهر.
والأصل في المهور التيسير وسنتة صلى الله عليه وسلم في نسائه وبناته التيسير، والأحاديث في ذلك كثيرة.
ولعل هذه الأحاديث الكثيرة طويت طياً وانهزمت أمام رواية أن امرأة جادلت عمر بن الخطاب في زيادة المهور وهزمته مستشهدة بقوله تعالى (وأتيتم إحداهن قنطارا)
وهذه الرواية لم تأت بسند صحيح، بل في رجالها انقطاع وضعف، ولو تجاوزنا عن ذلك وما يجوز تجاوزه فإن موضوع الآية ومعناها ليس محل الاستشهاد، إذ الآية في شخص يريد تبديل زوجة بأخرى ويريد أن يسترد من الزوجة المتروكة ما أعطاه إياها مهرا فرفض القرآن هذا المسلك الصغير، وبين أنه ما يجوز أخذ شيء من المرأة المهجورة ولو أمهرها قنطاراً.
والعبارة تفيد المبالغة، ولو لم تفدها فالأمر يتصل بقضية أخرى غير إنشاء البيوت، وإعفاف الرجال والنساء، وإغلاق أبواب الحرام، وتفتيح أبواب الحلال، وحماية الأمة من التسول الجنسي ومقاذر الانحراف.
وقد لاحظت أن هناك أحاديث ضعيفة تحكم المجتمعات الإسلامية وتهزم الاحاديث الصحية بل المتواترة، خذ مثلاً رفض صلاة النساء في المساجد، فقد فهم من أحاديث لم يروها رجال الصحيح ومع ذلك فقد أقر الرفض عمليا، وطويت الاحاديث المتواترة والصحيحة في هذه القضية المتصلة بأهم عبادات الإسلام، والتصرف في السنة بهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون ديناً قوياً ولا صراطاً مستقياً.
أم الأمر الثاني الذي يؤخذ على المشتغلين بالسنن عموما فهو قصورهم الفقهي وليست لقد قدم راسخة في فقه الكتاب الكريم، مع أنه الأصل كما أنهم يأخذون الاحاديث مقطوعة عن ملابساتها، ولا يضمون إليها ما ورد في موضوعها من مرويات أخرى قد تؤيدها وقد تزدها.
خذ هذين المثلين مما عرض لي في القاهرة وأنا مهموم بقضايا الدعوة:
أولا
وقف خطيب يدعي السلفية ويروي للناس أن والد الرسول في النار، وكان ذلك لمناسبة احتفال المسلمين بالمولد النبوي وقلت للناس: هذا الحديث يخالف قوله تعالى: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
وقد ثبت أن جيل الرسول الكريم وصحابته كلهم لم يبعث أحد إلى آبائهم: (لتنذر قوما ما أنذر أباهؤهم فهم غافلون)
(لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يعتدون)
ومعنى هذا أن عبدالله وأمثاله لا يعذبون، ولا يدخلون النار، ويكفي هذا الخلاف لنقض الحديث فهو علة تقدح في صحته.
وعلماء المصطلح يردون المتن إذا خالف ما هو أصح وأوثق.
وليس بعد حكم القرآن الكريم حكم، ولعل الراوي فهم أن تعذيب المشركين جميعا هو الاساس وأن استثناء أهل الفترة رحمة فوق العدل، فساق الحديث لتوكيد المعنى الأول..
وعلى أية حال فإن زاوية هذا الحديث في خطبة جامعة وفي مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي جلافة وجهالة غليظتان.
ثاينا
قال خطيب آخر يدعي التصوف أن الله ليلة المعراج نزل لمحمد وأوحى إليه.
وقلت للناس ما روى في ذلك كان رؤيا منام، ومع ذلك فقد رفضه الحفاظ وردوه رداً شديداً وعدوه من العثرات القليلة التي آخذت على راويه.
وقد لاحظت أن المطابع وضعت في أيدي الجماهير نسخا كثيرة من الموطأ ومن الصحيحين، وكثيرا ما يقرأ العامة أحاديث فوق مستواهم، والحديث إن لم يقدمه عالم فقيه أو إذا لم يصحب بشرح تلقى ضوءاً كاشفاً على معناه، ربما كان مثار فتنة ولغط وكم من انصاف متعلمين أساءوا إلى السنة بضعف الفقه وقصور البصر..
والخلاصة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة الله تبارك وتعالى:
(وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)
(من يطع الرسول فقد أطاع الله)
حقائق محترمة:
وأن من زعم أن الرسول يجوز عصيانه فيما أمر به ونهى عنه، فهو كافر باتفاق المسلمين، وقد بذلت جهود لم تبذل مثلها في الوقوف عل تراث بشر كي يعرف ماذا قال الرسول حقا .. وانتهت هذه الجهود بجملة حقائق محترمة.
1- أن في السنة ما هو متواتر لفظا أو معنى، وهذا النوع من السنن يشبه القرآن الكريم فيما أتى به من أحكام، ولا يمكن رده، وهو كثير في التراث النبوي وعليه تقوم الكثرة الكاثرة من الأحكام المقررة، وليس بصحيح أن المتواتر في السنة ضيق النطاق، ربما كان ذلك فيما تواتر لفظه، أما ما تواتر معناه فهو أساس مقررات فقهية كثيرة.
والواقع أن اخبار الآحاد من الناحية العملية لا تشكل مساحة كبيرة من السلوك الإسلامي المهم، فإن ما لا بد منه تكلفت به نصوص ثابته بيقين..
2- جمهور الأمة يقبل سنن الآحاد ويعدها دليلاً على الحكم الشرعي الذي نتعبد الله بإقامته، ومن الناس من عد هذه السنين مفيدة لليقين الذي يفيده التواتر ما دامت صحيحة ولكن جمهور العلماء يقبل سنن الآحاد في الأحكام العملية والفروع الفقهية، ولا ينقلها إلى ميدان العقيدة الذي يقوم الأمر فيه على القطع، ومعنى ذلك أن سنن الآحاد تفيد الظن العلمي وحسب..
3- مع اتفاق الفقهاء على أن سنن الآحاد قرينة مقبولة في إفادة الحكم الشرعي فإن عددا من الأئمة يتجاوز هذه السنن إذا كانت هناك قريبة منها في إفادة حكم الله.
فمالك مثلا يرى عمل أهل المدينة أدل على السنة النبوية من حديث الآحاد مهما كانت صحته، والأحناف يرون أن حديث الآحاد لا ينهض عل إثبات الفرضية وحده، ولا ينهض كذلك على إثبات الحرمة، ولكنه يثبت أحكاما أقل رتبة، وغالى بعضهم فجعل القياس القطعي أرجح من سنن الآحاد.
ودراسة السنة علم له رجاله الخبراء، ولا يقبل في هذا الميدان ما يرسله الفقهاء من أحكام طائشة تجعل التطويح بالسنة الشريفة أمرا جائزا أو تجعل تكذيب حديث ما هوى مطاعا.
إنه لا فقه بغير سنة ولا سنة بغير فقه، وقوام الإسلام بركنيه كليهما من كتاب وسنة وفي ذلك يقول الأستاذ الإمام حسن البنا:
القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة إلى رجال الحديث الثقات.